فصل: تفسير الآيات (9- 11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



استئناف وقع موقع النتيجة بعد الاستدلال فإن أول السورة قرر خضوع الكائنات إلى الله تعالى وأنه تعالى المتصرف فيها بالإِيجاد والإِعدام وغير ذلك فهو القدير عليها، وأنه عليم بأحوالهم مطلّع على ما تضمره ضمائرهم وأنهم صائرون إليه فمحاسبهم، فلا جرم تهيأ المقام لإِبلاغهم التذكير بالإِيمان به إيمانًا لا يشوبه إشراك والإِيمان برسوله صلى الله عليه وسلم إذ قد تبين صدقه بالدلائل الماضية التي دلت على صحة ما أخبرهم به مما كان محل ارتيابهم وتكذيبهم كما أشار إليه قوله: {والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم} [الحديد: 8].
فذلك وجه عطف {ورسوله} على متعلق الإِيمان مع أن الآيات السابقة ما ذكرت إلا دلائل صفات الله دون الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالخطاب بـ {آمنوا} للمشركين، والآية مكية حسب ما رُوي في إسلام عُمَر وهو الذي يلائم اتصال قوله: {وما لكم لا تؤمنون بالله} [الحديد: 8] إلخ بها.
والمراد بالإِنفاق المأمور به: الإِنفاق الذي يدعو إليه الإِيمان بعد حصول الإِيمان وهو الإِنفاق على الفقير، وتخصيص الإِنفاق بالذكر تنويه بشأنه، وقد كان أهل الجاهلية لا ينفقون إلا في اللذات، والمفاخرة والمقامرة، ومعاقرة الخمر، وقد وصفهم القرآن بذلك في مواضع كثيرة كقوله: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين} [الحاقة: 34] وقوله: {بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلًا لمًّا وتحبون المال حبًا جمًا} [الفجر: 17 20] وقوله: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} [التكاثر: 1، 2] إلى آخر السورة.
وقيل: نزلت في غزوة تبوك يعني الإِنفاق بتجهيز جيش العُسْرة قاله ابن عطية عن الضحاك، فتكون الآية مدنية ويكون قوله: {آمنوا} أمرًا بالدوام على الإِيمان كقوله: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله} [النساء: 136].
ويجوز أن يكون أمرًا لمن في نفوسهم بقية نفاق أو ارتياب، وأنهم قبضوا أيديهم عن تجهيز جيش العُسرة كما قال تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض إلى قوله ويقبضون أيديهم} [التوبة: 67]، فهم إذا سمعوا الخطاب علموا أنهم المقصود على نحو ما في آيات سورة براءة، ولكن يظهر أن سنَة غزوة تبوك لم يبق عندها من المنافقين عدد يعتد به فيوجه إليه خطاب كهذا.
وجيء بالموصول في قوله: {مما جعلكم مستخلفين فيه} دون أن يقول: وأنفقوا من أموالكم أو مما رزقكم الله لما في صلة الموصول من التنبيه على غفلة السامعين عن كون المال لله جعلَ الناسَ كالخلائف عنه في التصرف فيه مدةً مَّا، فلما أمرهم بالإِنفاق منها على عباده كان حقًا عليهم أن يمتثلوا لذلك كما يمتثل الخازن أمرَ صاحب المال إذا أمره بإنفاذ شيء منه إلى من يعيِّنه.
والسين والتاء في {مستخلفين} للمبالغة في حصول الفعل لا للطلب لاستفادة الطلب من فعل {جعلكم}.
ويجوز أن تكون لتأكيد الطلب.
والفاء في قوله: {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} تفريع وتسبب على الأمر بالإيمان والإِنفاق لإِفادة تعليله كأنه قيل لأن الذين آمنوا وأنفقوا أعددنا لهم أجرًا كبيرًا.
والمعنى على وجه كون الآية مكية: أن الذين آمنوا من بينكم وأنفقوا، أي سبقوكم بالإِيمان والإِنفاق لهم أجر كبير، أي فاغتنموه وتداركوا ما فاتوكم به.
و(مِن) للتبعيض، أي الذين آمنوا وهم بعض قومكم. وفي هذا إغراء لهم بأن يماثلوهم.
ويجوز أن يكون فعلا المضيِّ في قوله: {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا} مستعملان في معنى المضارع للتنبيه عن إيقاع ذلك.
{وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)}.
ظاهر استعمال أمثال قوله: {وما لكم لا تؤمنون} أن يكون استفهامًا مستعملًا في التوبيخ والتعجيب، وهو الذي يناسب كون الأمر في قوله: {آمنوا بالله ورسوله} مستعملًا في الطلب لا في الدوام.
وتكون جملة {لا تؤمنون} حالًا من الضمير المستتر في الكون المتعلق به الجار والمجرور كما تقول: ما لك قائمًا؟ بمعنى ما تصنع في حال القيام.
والتقدير: وما لكم كافرين بالله، أي ما حصل لكم في حالة عدم الإيمان.
وجملة {والرسول يدعوكم} حال ثانية، والواو واو الحال لا العطف، فهما حالان متداختان.
والمعنى: ماذا يمنَعكم من الإيمان وقد بين لكم الرسولُ من آيات القرآن ما فيه بلاغ وحجة على أن الإِيمان بالله حق فلا عذر لكم في عدم الإِيمان بالله فقد جاءتكم بينات حقّيّته فتعين أن إصراركم على عدم الإِيمان مكابرة وعناد.
وعلى هذا الوجه فالميثاق المأخوذ عليهم هو ميثاق من الله، أي ما يماثل الميثاق من إيداع الإيمان بوجود الله وبوحدانيته في الفطرة البشرية فكأنه ميثاق قد أخذ على كل واحد من الناس في الأزل وشرط التكوين فهو ناموس فطري.
وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} وقد تقدم في سورة الأعراف (172).
فضمير {أخذ} عائد إلى اسم الجلالة في قوله: {وما لكم لا تؤمنون بالله} والمعنى: أن النفوس لو خلت من العناد وعن التمويه والتضليل كانت منساقة إلى إدراك وجود الصانع ووحدانيته وقد جاءهم من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكشف عنهم ما غشى على إدراكهم من دعاء أئمة الكفر والضلال.
وجملة {إن كنتم مؤمنين} مستأنفة، وجواب الشرط محذوف دل عليه قوله: {والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم}.
واسم فاعل في قوله: {إن كنتم مؤمنين} مستعمل في المستقبل بقرينة وقوعه في سياق الشرط، أي فقد حصل ما يقتضي أن تؤمنوا من السبب الظاهر والسبب الخفي المرتكز في الجبلة.
ويرجح هذا المعنى أن ظاهر الأمر في قوله: {آمنوا بالله ورسوله} [الحديد: 7] أنه لطلب إيجاد الإِيمان كما تقدم في تفسيرها وأن الآية مكية.
وقرأ الجمهور {أخذ} بالبناء للفاعل ونصب {ميثاقكم} على أن الضمير عائد إلى اسم الجلالة، وقرأه أبو عمرو {أُخِذ} بالبناء للنائب ورفع {ميثاقُكم}. اهـ.

.تفسير الآيات (9- 11):

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وصفه بالربوبية، دل عليها بقوله: {هو} أي وحده لا غيره {الذي ينزل} أي على سبيل التدريج والموالاة بحسب الحاجة.
ولما كان الخطاب في هذه السورة للمخلص، قال مضيفًا إلى ضميره غير مقرون بما يدل على الجلال والكبرياء {على عبده} أي الذي هو أحق الناس بحضرة جماله وإكرامه لأنه ما تعبد لغيره قط {آيات} أي علامات هي من ظهورها حقيقة بتأن يرجع إليها ويتقيد بها {بينت} جدًا على ما له من النعوت التي هي في غاية الوضوح {ليخرجكم} أي الله أي عبده بما أنزل إليه مع أنه بشر مثلكم، والجنس إلى جنسه أميل ومنه أقبل، ولا سيما إن كان قريبًا ولبيبًا أريبًا {من الظلمات} التي أنتم منغمسون فيها من الحظوظ والنقائص التي جبل عليها الإنسان والغفلة والنسيان، الحاملة على تراكم الجهل، فمن آتاه سبحانه العلم والإيمان فقد أخرجه نم هذه الظلمات التي طرأت عليه {إلى النور} الذي كان وصفًا لروحه وفطرته الأولى السليمة.
ولما كان التقدير: فإن الله به للطيف خبير، عطف عليه قوله مؤكدًا لأجل زلزال من يطول به البلاء من المؤمنين وإنكار الكفار: {وإن الله} أي الذي له صفات الكمال {بكم} قدم الجارّ لأن عظيم رحمته لهذه الأمة موجب لعد نعمته على غيرنا عدمًا بالنسبة إلى نعمته علينا {لرؤوف رحيم} أي كنتم بالنظر إلى رحمته الخاصة التي هي لإتمام النعمة صنفين: منكم من كان له به وصلة بما يفعل في أيام جاهليته من الخيرات كالإنفاق في سبيل المعروف، وعبر بالإنفاق لكونه خيرًا لا رياء ونحوه فيه كالصديق- رضى الله عنه- فعاد عليه، بعد عموم رحمته بالبيان، بخصوص رحمة عظيمة أوصلته إلى أعظم درجات العرفان، ومنكم من كان بالغًا في اتباع الهوى فابتدأه بعد عموم رحمة البيان بخصوص رحمة هداه بها إلى أعمال الجنان، وهي دون ما قبلها في الميزان، وفوقها من حيث إنها بدون سبب من المرحوم.
ولما أمرهم بالإيمان والإنفاق، وكان الإيمان مع كونه الأساس الذي لا يصح عمل بدونه ليس فيه شيء من خسران أو نقصان، فبدأ به لذلك، ورغب بختم الآية بالإشارة بالرأفة إلى أن من توصل إليه بشيء من الإيمان أو غيره زاده من فضله «من تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا» إلى قوله: «ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» عطف عليه الترغيب في التوصل إليه بالإنفاق منكرًا على من تركه موبخًا لمن حاد عنه هو يعلم أنه فان، مفهمًا بزيادة (أن) المصدرية اللوم على تركه في جميع الأزمنة الثلاثة فقال: {وما} أي وأيّ شيء يحصل {لكم} في {ألا تنفقوا} أي توجدوا الإخراج للمال {في سبيل الله} أي في كل ما يرضي الملك الأعظم الذي له صفات الكمال لتكون لكم به وصلة فيخصكم بالرأفة التي هي أعظم الرحمة، فإنه أم بخل به أحد عن وجه خير إلا سلط الله عليه غرامة في وجه شر، وأظهر موضع الإضمار في جملة حالية باعثًا على الإنفاق بأبلغ بعث فقال: {ولله} تأكيدًا للعظمة بالندب إلى ذلك باستحضار جميع صفات الكمال لا سيما صفة الإرث المقتضية للزهد في الموروث {ميراث} أي الإرث والموروث والموروث عنه وغير ذلك {السماوات والأرض} جميعًا لا شيء فيهما أو منهما إلا هو كذلك يزول عن المنتفع به ويبقى لله بقاء الإرث، ومن تأمل أنه زائل هو وكل ما في يده والموت من ورائه، ويد طوارق الحوادث مطبقة به، وعما قليل ينقل ما في يده إلى غيره هان عليه الجود بنفسه وماله.
ولما رغبهم في الإنفاق على الإطلاق، رغبهم في المبادرة إليه، مادحًا أهله خاصًا منهم أهل السياق فقال: {لا يستوي}.
ولما كان المراد أهل الإسلام بين بقوله: {منكم من أنفق} أي أوجد الإنفاق في ماله وجميع قواه وما يقدر عليه.
ولما كان المقصود الإنفاق في زمان الإيمان لا مطلق الزمان، خص بالجارّ فقال: {من قبل الفتح} أي الذي هو فتح جميع الدنيا في الحقيقة وهو فتح مكة الذي كان سببًا لظهور الدين على الدين كله لما نال المنفق إذ ذاك بالإنفاق من كثرة المشاق لضيق المال حينئذ، وذلك مستلزم لكون المنفق أنفذ بصيرة ونفقته أعظم غنّى وأشد نفعًا، وفيه دليل على فضل أبي بكر- رضى الله عنه- فإنه أول من أنفق ولم يسبقه في ذلك أحد، وفيه نزلت الآية- كما حكاه البغوي عن الكلبي.
ولما كان المراد بالإيمان خدمة الرحمة، وكان الإنفاق وإن كان مصدقًا للإيمان لا يكمل تصديقه إلا ببذل النفس قال: {وقاتل} أي سعيًا في إنفاق نفسه لمن آمن به، وحذف المنفي للتسوية به وهو من لم ينفق مطلقًا أو بقيد القبلية لدلالة ما بعده، ولعله أفرد الضمير إشارة إلى قلة السابقين.
ولما كان نفي المساواة لا يعرف منها الفاضل من غيره، وقد كان حذف قسيم من أنفق لوضوحه والتنفير منه ودلالة ما بعده عليه، نفى اللبس بقوله: {أولئك} أي المنفقون المقاتلون وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، المقربون من أهل الرتبة العية لمبادرتهم إلى الجود بالنفس والمال {أعظم درجة} وبعظم الدرجة يكون عظم صاحبها {من الذين أنفقوا} ولما كان المراد التفضيل على أوجد الإنفاق والقتال في زمان بعد ذلك، لا على من استغرق كل زمان بعده بالإنفاق والقتال أدخل الجار فقال: {من بعد وقاتلوا} ولما كان التفضيل مفهمًا اشتراك الكل في الفضل، صرح به ترغيبًا في الإنفاق على كل حال فقال: {وكلًا} أي من القسمين {وعد الله} أي الذي له الجلال والكمال والإكرام {الحسنى} أي الدرجة التي هي غاية الحسن وإن كانت في نفسها متفاوتة، وقرأ ابن عامر {وكل} وهو أوفق لما عطف عليه.
ولما كان زكاء الأعمال إنما هو بالنيات، وكان التفضيل مناط العلم، قال مرغبًا في إحسان النيات مرهبًا من التقصير فيها: {والله} أي الذي له الإحاطة الشاملة بجميع صفات الكمال، وقدم الجار إعلامًا بمزيد اعتناء بالتمييز عند التفضيل فقال: {بما تعملون} أي تجددون عمله على مر الأوقات {خبير} أي عالم بباطنه وظاهره علمًا لا مزيد عليه بوجه، فهو يجعل جزاء الأعمال على قدر النيات التي هي أرواح صورها.
ولما فضل السابقين بالإنفاق، ووعد بالحسنى اللاحقين بحسن الاتباع، وأشار إلى أنه ربما ألحقهم ببعضهم بصفاء الإخلاص فتوفرت الدواعي على البذل، أثمر ذلك قوله مسيمًا الصدقة التي صورتها صورة إخراج من غير عوض باسم القرض الذي هو إخراج بعوض ترغيبًا فيها لما أعد عليها من الجزاء المحقق فكيف إذا كان مضاعفًا: {من} وأكد بالإشارة بقوله: {ذا} لأجل ما للنفوس من الشح {الذي يقرض الله} أي يعطي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام بإعطاء المستحق لأجله عطاء من ماله هو على صورة القرض لرجائه الثواب {قرضًا حسنًا} أي طيبًا خالصًا فيه متحريًا به أفضل الوجوه طيبة به النفس من غير من ولا كدر بتسويف ونحوه.
ولما كان ما يعطي الله المنفق من الجزاء مسببًا عن إنفاقه، ربطه بالفاء فقال عطفًا على {يقرض}: {فيضاعفه له} مرغبًا فيه بجعله مبالغًا بالتضعيف أولًا وجعله من باب المفاعلة ثانيًا، وكذا التفضيل في قراءة ابن كثير وابن عامر ويعقوب {فيضعفه} وقرأه ابن عامر ويعقوب بالنصب جوابًا للاستفهام تأكيدًا للربط والتسبيب.
ولما كانت المضاعفة منه سبحانه لا يعلم كنهها إلى هو قال: {وله} أي المقرض من بعد ما تعقلونه من المضاعفة زيادة على ذلك {أجر} لا يعلم قدره إلى الله، وهو معنى وصفه بقوله: {كريم} أي حسن طيب زاك نام. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
قال القاضي: بين بذلك أن مراده بإنزال الآيات البينات التي هي القرآن، وغيره من المعجزات أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وأكد ذلك بقوله: {وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ولو كان تعالى يريد من بعضهم الثبات على ظلمات الكفر، ويخلق ذلك فيهم، ويقدره لهم تقديرًا لا يقبل الزوال لم يصح هذا القول، فإن قيل: أليس أن ظاهره يدل على أنه تعالى يخرج من الظلمات إلى النور، فيجب أن يكون الإيمان من فعله؟ قلنا: لو أراد بهذا الإخراج خلق الإيمان فيه لم يكن لقوله تعالى: {هُوَ الذي يُنَزّلُ على عَبْدِهِ ءايات بينات لّيُخْرِجَكُمْ} معنى، لأنه سواء تقدم ذلك أو لم يتقدم، فخلقه لما خلقه لا يتغير، فالمراد إذن بذلك أنه يلطف بهم في إخراجهم من الظلمات إلى النور ولولا ذلك لم يكن بأن يصف نفسه بأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور أولى من أن يصف نفسه بأنه يخرجهم من النور إلى الظلمات.